بسّام الطيارة
جاءت حادثة الطيونة لتنقل الوضع اللبناني من سيء إلى أسوأ ولتدفع بداية «حكم» رئيس الوزراء نجيب ميقاتي نحو مهوار خطر قد يقود ابن طرابلس لترك سدة السراي هرباً من سفينة الدولة اللبنانية التي دخلت في عين زوبعة الفوضى والعنف.
معرفة دقائق الحادثة (من قَنَصَ؟ ومن ردَّ؟ من نَظَّمَ؟ ومن هيَّجَ؟ ومن تَساهَلَ؟ ومن اتَهَمَ؟) والدخول في طيات دوافعها كل هذه تفاصيل لن تضيء طريق خلاص لبنان. هذه الدقائق الغامضة المتشابكة العصية هي «بروفيل» لبنان ومجتمعه الغوغائي ومجتمعه مهترئ.
ولكن هذا الوصف لحادثة «طازجة» يؤهب لتسلسل قد يكون دراماتيكي للبنان (ولمحيطه أيضاً) ذلك أن مواكبة هذه الحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى غفلة المجتمع اللبناني من خطورة سلاح المواقع و«طريقة استعماله اللبنانية» كأداة فش خلق وهروب من الواقع المرير للشعب اللبناني.
مواقع التواصل الاجتماعي «حليف وثيق» للأوليغارشيا اللبنانية -الطبقة السياسية- غهي تقدم متنفس سهل للشعب يعفيه عن … الثورة.
هذا المتنفس هو عبارة عن نهفات واستهزاءات بـ«الآخر» عن نكات عن أخبار غير موثوقة – في غالب الأحيان- ولكنها تُبَرِّد قلب المواطن الغلبان وتشفي غليله طالما هي تصيب في الصميم قادة «الضفة المقابلة»… وكذلك في ضفة المقابلة – بات يمكن القول في الرصيف المقابل (!) هذه المبارزة عبر الشارع والأحياء التي باتت تقسم البلد إلى مناطق تقابلها مناطق في تذكير مرير لأيام سوداء عرفتها البلاد.
ولكن يمكن تحليل الخلل الذي قاد إلى حادثة الطيونة ومن نقطة التحليل هذه الانطلاق إلى مكامن الأخطاء التاريخية التي قادت إلى هكذا توزيع للقوى السياسية على الأرض على أبواب انتخابات قد تكون مصيرية للبنان.
وبالتالي لم تكن حادثة الطيونة مقصودة ولكن طبيعة الصراع والتحالفات جعلت منها «حادثة مبرمجة» (مفعول بقوة العوامل المجتمعة) حتى ولو لم يرغب بها أو يقصدها «أبطالها» أو زعماءهم.
طالما لبنان بلد الطوائف وجب على التحليلات أن تحاكي الطائفية وتدخل في تفاصيلها: حادثة الطيونة هي اشتباك بين مجموعة شيعية ومجموعة مسيحية.
يمكننا أن نقول «نقطة على السطر» ولكن غرابة التركيبة اللبنانية تجبرنا على الدقة في الوصف : هو اشتباك بين مجموعة شيعية متحالفة من مكون مسيحي -لم يشارك في الطيونة- وبين مجموعة مسيحية «يقف وراءها كمٌ من المسلمين شيعة وسنة… لم يشاركوا في الطيونة».
المشاركون في الطيونة «جبهة» حزب الله وأمل من جهة و«جبهة» القوات اللبنانية من جهة أخرى هما الخاسران على المدى المتوسط والطويل.
الثنائي الشيعي في محاولته «قلع» قاض عبر تجييش جموع مؤيديه، ولو سلميا، يعطي عصاً لمن يريد ضربه واتهامه باستعمال «فائض القوة» للسيطرة على لبنان، ويبعد عن مكون الحزب في الثنائي صفة جمالية المقاومة -أيا تكن الأسباب التي وضعته في المواجهة- ويزيد من تلوين المكون الثاني أمل بالهارب من المحاسبة.
القوات اللبنانية خاسرة أيضاً لأنها بتصديها للمسيرة – وأياً كانت مسببات التدخل- أعادت فتح ذاكرة أعمالها السابقة التي يمكن للعفو السياسي أن يغطيها ولكن لا يمكنه أن يمحوها من الذاكرة.
الانتخابات على الأبواب ولن تأت المساعدات الكبرى ما لم يدخل لبنان في فترة هدوء تحضيراً لإصلاحات جذرية للنظام … والانتخابات هي مدخلها.