اليابان وألف ليلة وليلة

  • س: بسّام الطيارة أنت متخصص بالحضارة اليابانية ولك دراسات عن تاريخ العلاقات بين اليابان والعرب والتفاعل بين الحضارتين. هل تحدثنا عن أثر “ألف ليلة وليلة” في الأدب الياباني منذ متى بدأ الانفتاح على حكايات الليالي في اليابان؟
  • وصلت «ألف ليلة وليلة» إلى اليابان في عام ١٨٧٥ أي بعد أقل من تسع سنوات من انفتاح اليابان أو ما يسمى بعصر «ميجي». وقد جاءت أول ترجمة على يد «ناغامينه هيديكي» (NAGAMINE Hideki). ومن المهم جداً لفهم سياق «سوء التفاهم» الذي لاقى «ألف ليلة وليلة» في الأرخبيل الياباني، الإشارة إلى أن ثورة «ميجي» أخرجت اليابان من عزلة(سَكوكوُ) دامت من عام ١٦٣٩ إلى عام ١٨٦٨، وكان التواصل بيت الخارج (أي الغرب بشكل عام) واليابان ممنوعاً ومحصوراً فقط في طبقة ضيقة من المثقفين المقربين من الحكام. ولكن هذا لم يمنع من انتشار العلم في البلاد والاطلاع «عن بعد» عما كان يحصل من تقدم في الغرب، إذ كان يتم شراء كتب عن طريق الهولنديين، لذا كانت الدراسات الغربية تسمى … دراسات هولندية (ران موكُو). إلا أن الوصول إلى الكتب الأدبية كان ضيقاً. لذا عندما دفعت أول ترجمة إلى يد القارئ الياباني فهو اعتبر أنها «عمل أدبي خيالي غربي». وقد ظل هذا الاعتبار قائماً حتى مطلع القرن العشرين ونشأة الدرسات العربية والإسلامية على يد نخبة من المستعربين اليابانيين.
  • وجب أيضاً الإشارة إلى أن أول ترجمة تم «تشجذيبها» وتم حذف كل المقاطع الإيروتيكية التي لم تكن تلائم المجتمع الياباني المحافظ آنذاك. وقد تم «إعادة» المواد المحظورة في الطبعات المتتالية. «ألف ليلة وليلة» لاقت رواجاً كبيراً لدى القارئ الياباني النهم. مع التنويه بأن ترجمة طبعة «بورتون»الكاملة في عام ١٩٢٩ تم منعها تماما من قبل الحكومة اليابانية.
  • هنا أود أن أشدد على أن تطور اليابان من انتشار الثقافة بمعناها العام ومحو الأمية، لم يبدأ مع صول الامبرطور ميجي كما يحلو للبعض القول ولكنها نتيجة ثورة ثقافية في بدأت في حلول ١٨٣٠ في العهد «إيدو». حداثة ميجي استفادت من الأرضية التي أهبتها موجة التعليم التي عمت البلاد. لذا كان القارئ الياباني نهما لكل ما يصل… من الخارج، وفي تلك الحقبة الخارج كان رديفاً للغرب.
  • س: ما هي أبرز ملامح تأثر “ألف ليلة وليلة” في الأدب الياباني؟
  • لن يصدق أحداً إذا قلت أن «تأثير الليالي» وهي التسمية التي تستعمل للإشراة لـ«ألف ليلة وليلة» كان «حاسماً وكبيراً على اأدب الياباني. وما أقوله هنا ليس من باب المبالغة أو من باب المغالاة وكفي أن أذكر ثلاثة أسماء في قمة الهرم الأدبي الياباني لمعرفة مدى هذا التأثير: تانيزاكي وأتوكاغاوا وميشيما، وعلي أن أضيف كاواباتا بالطبع. هذا بعض من أشهر الكتاب في اليابان الذين تأثروا بـ«الليالي» وكتبوا ذلك … و«اعترفوا» بتأثيرها على أعمالهم.
  • لنأخذ مثال ميشيما المعروف في عالمنا العربي، إذ أنه يعتبر لدى العديد من المهتمين بالأدب الياباني «أحد ممثلي الحس الأدبي اليابانية». تقول «شيكاكو موري» وهي باحثة المتخصصة في الأدب المقارن «إن ميشيما لم يعبر ألف ليلة وليلة بل هي رافقتها طيلة نتاجه الأدبي»، إذ أنها موجودة كوعاء لكافة أعماله وتمثل «كانفا» لرواياته ومؤشر لسرده. أضف إلى أن ميشيما كتب مقدمة إحدى ترجمات ألف ليلة وليلة على يد «ماسافوُمي آووبا» (MASAFUMI Oba) . وكذلك مثل ميشيما دوراً في في آخر ظهور له على خشبة المسرح في مسرحية «الليالي العربية» (Arabian Nights). وميشيما في روايته «قصة حصلت في رأس البحر» ولا أعرف إذا كانت قد ترجمت إلى العربية وتحت أي عنوان، في هذه الرواية يصف ميشيما «خيانة شهرزاد لشهريار» من جهة و«كآبة أجواء ملك الجزر الذي يلتقي سندباد ويغويه». وفي كتباته يصف كيف مُنِعَ من قراءة ألف ليلة وليلة بسبب «رقابة أهله». ويأتي هذا الوصف لأن ميشيما «يقرظ اللاطبيعي» ويرى أن ألف ليلة وليلة تنساب شخصيته التي يصفها بأنها «لاطبيعية» وميشيما وقد برز ذلك في كيفية إخراج مسألة انتحاره التي يقول عنها بعض النقاد أنها كانت شبيهة بمسرحية من ألف ليلة وليلة.
  • س: تبدو رواية “الجميلات النائمات” لكواباتا والتي تأثر بها الأديب الكولومبي الراحل غبريال غارسيا ماركيز وكتب على غرارها روايته “:الغانيات الحزينات”، وكأنها إحدى حكايات تلك الليالي، ما رأيك؟
  • لست اختصاصياً بألف ليلة وليلة التي حسب قراءاتي القليلة تبدو لي وكأنها «عالم بحد ذاته» إلا أن العديد من الكتاب مثل سيرفانتس وبيريك وبروست وبازوليني وغيرهم تأثروا كثيراً بهذا الكتاب، يضاف لهم كاواباتا بالطبع في روايته الشهيرة «الجميلات النائمات» الذي يحاكي رواية ماركيز. وقد برزت هاتين الروايتان بسبب «النساء» لأن ألف ليلة وليلة في اللاوعي العالمي هي قصة … نساء في قصور أو في حجرات أو وراء خمار أنها عجائبية ألف ليلة وليلة التي غزت العالم وساهم في نشر غزوها تأثير الكتاب …كل الكتاب.
  • س: فرض الأدب الياباني نفسه في القرن العشرين كواحد من أبرز الآداب العالمية مع أسماء كبيرة ككواباتا وتانيزاكي وميشيما وأخيرا موراكامي بماذا تميز هذا الأدب وما الذي يمنحه خصوصيته؟
  • الأدب الياباني هو أولاً وأخيراً أدب أمة كبيرة ومتأصلة في التاريخ. اليابان بلد القراءة رقم واحد في العالم. والنظام التعليمي في اليابان متماسك ومتين، يضاف إلى ذلك أن ظروف الحياة في اليابان تدفع نحو …القراءة، إذ أن الوقت الذي يمضيه الياباني في نظام المواصلات بين مكان إقامته وبين مكان عمله يأخذ ٢٠ في المئة من وقته اليومي. يضاف إلى ذلك أن «الكاتب بستيطيع أن يعيش من كتاباته في اليابان» إذ أن ضبط أمور النشر وحقوق الكتاب مضمونة مئة في المئة، وبالتالي فإن طلب القراءة يلاقيه عرض المكتوب فيخلق تفاعلاً يقود نحو الوفرة في الكتابة. هذا من ناحية مادة أما من ناحية أدبية فإن اليابان كانت ولا تزال أرض التأمل والطبيعة الجميلة فالياباني مرهف الحس ويزرف الدموع أمام جمال الطبيعة، والمجتمع الياباني مجتمع واسع فيه الكثير من التنوع ولكن ضمن إطار ياباني محط أي أن الإنسان الياباني يستطيع أن يعايش الحالات الإنسانية التي ينقلها له الكاتب أو يصفها في كتاباته، فيتأثر بها. العنف أيضاً الذي عرفته اليابان على مر تاريخها بسبب الحرب الداخلية يشكل عامل أدبي على غرابة الأمر. وقد وصف كتاب عديدون المعارك والحروب والتحالفات وهذا يشكل مخزوناً للمخيلة اليابانية تغرف منها شخصيات تنورها كتابات أدبية عديدة.
  • س: في رأيك الى أي مدى يتفاعل الأدب الياباني مع الآداب العالمية الأخرى وكيف تقوم حضوره على الساحة العالمية؟
  • في عصر العولمة التفاعل موجود بين كل زنواع الآداب والنتاجات الفكرية. هذه باتت لازمة لا غرابة فيها.
  • س} هل نقل الأدب الياباني الى اللغة العربية من خلال أبرز من يمثله من الكتاب وما رأيك في الترجمات والتي بأغلبها لا تتم مباشرة عن اللغة اليابانية؟
  • أولا ً أود أن أشدد على أن «كل الأدب الياباني وليس بعضه يتم عبر اللغات الأجنبية» انكليزية أو فرنسية. وهذا يفتح باب مسألة تعليم اللغات في العالم العربي وبالنسبة لي تعليم اللغة اليابانية وها يؤلمني بشكل كبير. ومسألة نقل الأدب الياباني متعلقة بشكل وثيق بشؤون النشر في العالم العربي وهي مليئة كما يعرف الجميع بشجون أليمة. فغياب السوق الكبيرة يجعل الناشر عاجزاً عن الدفع باستثمارات كبيرة ليعطي الكاتب أو المترجم حقه. لذا فعند الضرورة يكتفي تكتفي دور النشر بترجمة ما يتناهى إلى سمعها من أدب ياباني. ولكنها في الواقع لا تمثل إلا كما صغيراً من نتاج المعبر عن الأدب الياباني. يمكن اختصار الأمر كما يلي غياب القراءة تغيّب النشر وبالتالي تحجب الأدب الياباني عن المجتمع العربي. مثال بسيط على شكل سؤال إن ترجمة رواية متوسطة عن اليابانية تتطلب جهد سنة كاملة فهل من ناشر يؤمن مدخول سنة لمن تخصص باللغة الياباني واتقنها؟
  • س: أخيرا ماذا عن حضور الأدب العربي والثقافة العربية عموما عبر الترجمة في اليابان؟
  • بعكس ما يحصل في العالم العربي فإن اليابان تترجم مباشرة من اللغة العربية بواسطة المستعربين اليابانيين. هناك عشرات الآلوف من المستعربين اليابانيين الذي ينكبون على دراسة اللغة العربية وينهلون من أدبها. يرتبط كل ذلك بالنظام التعليمي وبتبصر الأمور من قبل السلطات المسؤولة عن الثقافة والتعليم.
  • مقابلة مع أوراس زيباوي لمجلة «آلدوحة» الثقافية

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *